هل الشهرة دليل النجاح؟
بقلم: حسن سليم
في عصر الشهرة والتأثير السريع، باتت الحاجة لأن "نُذكر" ونحصل على اعتراف الناس أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الجميع يرغب في ترك بصمة، ليصبح حديث الناس وعناوين الأخبار، ويشعر بأن جهوده مقدّرة ومُحتفى بها. لكن، هل هذه هي حقيقة الإنجاز؟ وهل يُعتبر ذِكرنا على شفاه الناس هو دليل نجاحنا الوحيد؟ الحقيقة أن الآية القرآنية ﴿وَرُسُلًا لَمْ نَقُصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ في سورة النساء تذكرنا أن هناك رسلاً قاموا بمهمات عظيمة دون أن نعرف حتى أسماءهم أو قصصهم؛ كانت أدوارهم مهمة، لكنّ الله لم يروِ تفاصيل حياتهم، لأن قيمة ما فعلوه ليست في شهرتهم بل في إخلاصهم.
الإنجاز الحقيقي لا يعني أن تكون معروفًا أو تملأ اسمك الدنيا صيتًا، بل يعني أن تترك أثرًا إيجابيًا في حياة الآخرين، أن تقدم شيئًا نافعًا، وأن تخلص في عملك مهما كان متواضعًا. الإنجاز الحقيقي هو أن تعمل بدافع رضا الله وحب الخير، دون انتظار مقابل مادي أو معنوي.
الذين يسعون للشهرة على حساب الإنجاز الحقيقي يعيشون في عالم مؤقت، فالشخص قد يُذكر اليوم ويُنسى غدًا. كم من شخصية مشهورة غابت عن أذهان الناس بمجرد انتهاء حقبة شهرتها؟ التاريخ ممتلئ بأمثلة لأشخاص كانوا تحت الأضواء في وقت ما، ولكنهم تلاشى بريقهم ولم يعد أحد يتذكرهم.
كثير من الناس العظماء لم يُذكروا في كتب التاريخ، ولم تُكتب أسماؤهم على جدران المعابد أو على صفحات الكتب، لكنهم كانوا أشخاصًا عظماء في قلوب من حولهم وفي سجلات الله عز وجل. أولئك الذين ساهموا في بناء مجتمعاتهم، والذين ضحوا بوقتهم وراحتهم من أجل أهداف سامية، دون أن ينتظروا شكرًا أو اعترافًا من أحد. ربما لا يعلم أحد عنهم شيئًا، لكنّ الله يعلم كل شيء عنهم.
إذا كان الله سبحانه قد أرسل رسلاً، وذكر بعضهم في القرآن وأغفل أسماء آخرين، فهذا يعني أن الإنجاز لا يتعلق بالشهرة، بل بقيمة ما تقوم به وكيفية أدائه. هذه الرسالة من الله تؤكد لنا أن الشهرة ليست مقياس النجاح، وأن العمل الصالح لا يُشترط أن يُذكر في الكتب أو يُخلّد في التاريخ، بل يكفي أن الله وحده يعلم بما تصنع.
توجد دوافع نفسية وراء رغبتنا في الشهرة، من بينها الشعور بالأهمية والانتماء، وأنّ جهودنا لها قيمة ووزن. ولكن هذه الرغبة غالبًا ما تكون مصدر ضغط نفسي؛ فهي تجعلنا نشعر بأن كل شيء نقوم به يجب أن يكون ملفتًا وجذابًا للناس. نعيش في زمن أصبحت فيه شبكات التواصل الاجتماعي تُشعرنا أن قيمتنا تكمن في عدد المتابعين أو الإعجابات، لكنّ الواقع مختلف تمامًا. كل إنجاز حقيقي، حتى وإن كان غير مرئي للآخرين، يبقى له وزنه وقيمته.
الإخلاص في العمل هو أن تقدم جهدك بكل طاقتك، دون أن تنتظر كلمة "شكرًا" من أحد. من يتقن عمله ويخلص فيه لا يحتاج لشهادة من البشر، بل يكفيه أن الله يعلم بما يصنع. الإخلاص يجعل العمل ذا قيمة وأثر عميق، حتى وإن لم يُعترف به علنًا.
الله وحده يعلم جميع تفاصيل حياتنا، يعلم نوايانا ويعلم ظروفنا ومشقاتنا، ويكافئنا على قدر إخلاصنا وصدقنا. أن تكون مؤمنًا بأن الله يعلم بما تصنع، يكفي لتهدأ نفسك ويطمئن قلبك، فلا تقلق بشأن من يرى عملك أو من يُشيد به. ستشعر براحة نفسية وستُحرّر من قيود التقدير الدنيوي، لأنك تعمل لغاية أسمى وأكبر من مجرد الحصول على الإعجاب.
قد تتفاجأ بأن هناك أشخاصًا تركوا أثرًا كبيرًا في حياة الناس دون أن يُعرفوا أبدًا، وكم من فكرة أو عمل بسيط أنقذ حياة، وكم من موقف عابر غيّر مسار حياة شخص ما. التأثير ليس مرتبطًا دائمًا بالشهرة، بل قد يكون تأثيرك الخفي أقوى وأكثر ديمومة من أي شهرة زائلة.
هناك أشخاص عاشوا حياتهم في هدوء دون أن يلفتوا الأنظار، لكنهم كانوا كالغيمة التي تسقي الأرض بعطائها، وكالنحلة التي تجمع الرحيق دون أن تلتفت لأحد. هؤلاء هم أبطال الحياة الحقيقية، الذين ساهموا في نشر الخير والإيجابية دون الحاجة لأن يعرف أحد عنهم. هؤلاء الناس لا يحتاجون لاعتراف أو تصفيق، لأنّ عملهم خالص لله، والله هو الذي يجازيهم على قدر صدقهم وإخلاصهم.
من يعتقد أن الإنجاز يعني الوصول إلى القمة أو أن يكون تحت الأضواء، فقد فاته فهم المعنى الحقيقي للحياة. القمة ليست مكانًا يتسع للجميع، وقد يكون البقاء في الظل أكثر نفعًا وراحة للبعض. الإنجاز ليس مرتبطًا بالمكانة العالية أو الشهرة، بل بالقدرة على القيام بدور إيجابي يخدم الإنسان والمجتمع.
النهاية هي التي تحكم قيمة الإنسان، عندما يرحل ويترك وراءه أثرًا نافعًا. القلوب تتذكر أولئك الذين أحبوا الخير للناس وأخلصوا في أعمالهم. في النهاية، لا يبقى سوى أثر طيّب وذكر حسن لمن عملوا بصدق. وقد لا تُكتب أسماؤهم في سجلات التاريخ، لكنّهم مخلدون في قلوب من استفادوا منهم.
لست بحاجة لأن تُذكر في التاريخ حتى تُنجز، يكفيك أن الله يعلم ما تصنع. اترك بصمتك في الحياة بأعمال صادقة وأفعال خير، وكن مطمئنًا أن الله سيكافئك على ما قدّمت. الدنيا قصيرة، وما يُذكر فيها قد يُنسى، لكن ما عند الله يبقى.