د. السيد الشربيني يكتب: مواجهة الفساد تبدأ منك.. كن التغيير الذي تنتظره
الفساد ليس مجرد قضية فردية أو أخلاقية، بل هو تحدٍ مجتمعي يستدعي تضافر الجهود للقضاء عليه. فبناء مجتمعات عادلة ومستقرة يعتمد على مواجهة هذا الخطر بوعي وشجاعة.
ولكن الأخطر من ذلك هو الأثر الاجتماعي والسلوكي الناتج عن هذه الظاهرة، حين تتشابك حلقات الفساد، مما يخلق مجتمعات تواجه حالة متفاقمة من التدهور. فحين تُلغى معايير الكفاءة والتميز، وتُفتح الأبواب لمن لا يستحقون، نكون أمام منظومة تهدد البناء الأخلاقي والسلوكي للمجتمعات بأسرها.
ولا يتوقف الفساد عند المؤسسات، بل يمتد إلى السلوكيات الشخصية التي تُطمس فيها الحقوق وتُداس القيم. هنا يصبح من الضروري أن تنتفض الضمائر، وأن تستعيد المجتمعات بوصلتها الأخلاقية والقانونية، لتعود الحياة إلى موازينها الصحيحة، حيث يعلو صوت العدل ويتوارى الظلم.
لأنه عندما تزداد عواصف الظلم وتغيب قوافل الرحمة ، تسوء أحوال البشر وتنتشر أمراض الأنانية ، وتظلم ميادين النور
وعلى الرغم من أن الفساد يبدو أحيانًا ظاهرة خارجة عن سيطرة الأفراد، إلا أن الحقيقة هي أن كل فرد يمكن أن يكون جزءًا من الحل. فرفض المشاركة في أي سلوكيات فاسدة، مهما كانت بسيطة، هو خطوة أولى نحو محاربة هذه الظاهرة. كما أن الإبلاغ عن مظاهر الفساد، والمطالبة بالشفافية في المؤسسات، يعزز من ثقافة المحاسبة والمساءلة.
كما يُعد تعزيز التربية الأخلاقية منذ الصغر أحد الحلول طويلة الأمد لمكافحة الفساد. عندما يتعلم الأطفال قيم النزاهة والعدالة، يكبرون وهم يدركون أهمية العمل بصدق وإخلاص. ويمكن للمناهج التعليمية أن تلعب دورًا رئيسيًا في هذا المجال من خلال إدراج مواد تُعزز القيم الإيجابية وتُبرز خطورة الفساد.
وعلى الرغم من خطورة الفساد وانتشاره في كثير من المجتمعات، إلا أن هناك نماذج ناجحة لدول استطاعت تقليص معدلات الفساد بشكل كبير. من خلال إرادة سياسية قوية، وإصلاحات شاملة، ودعم شعبي واسع، يمكن لأي مجتمع أن يبدأ في التخلص من هذه الظاهرة. فالنزاهة ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل هي شرط أساسي للتقدم والازدهار.
إن بناء مجتمعات خالية من الفساد ليس حلمًا بعيد المنال، بل هو هدف يمكن تحقيقه بالعمل الجاد، والإيمان بأهمية التغيير. عندما تتضافر جهود الأفراد والمؤسسات معًا، يصبح بالإمكان بناء عالم أكثر عدلًا ونزاهة، حيث تسود القيم الإنسانية ويزدهر الجميع.