في ذكراه المئوية.. نجل الدكتور كامل البوهي: القرية والكتاب شكَّلا شخصية مؤسس إذاعة القرآن الكريم
حوار- فتحية حماد
يُعد الدكتور كامل البوهي، مؤسس إذاعة القرآن الكريم، أحد أبرز الدعاة الإسلاميين في العصر الحديث. وُلد في قرية جريس التابعة لمحافظة المنوفية في ديسمبر عام 1924، وحصل على شهادة الكفاءة للتعليم الأولي (دبلوم المعلمين) عام 1946. بدأ حياته المهنية مدرِّسًا قبل أن ينتسب إلى كلية الآداب، قسم اللغة العربية، بجامعة القاهرة، حيث حصل على درجة الليسانس بتقدير عام جيد جدًا. وعندما أعلنت الإذاعة عن قبول دفعة جديدة عام 1954، ترك التدريس وتقدَّم لاختبارات الإذاعة، ليكون في مقدمة الناجحين، وليُرشَّح للعمل في القسم الديني، مستفيدًا من حفظه للقرآن الكريم.
وفي الذكرى المئوية لميلاده، كان لنا هذا الحوار مع نجله الإذاعي القدير أحمد كامل البوهي بإذاعة صوت العرب، الذي كشف لنا عن محطات بارزة في حياة والده.
النشأة والتكوين.. رحلة من القرية إلى الأثير
يبدأ الإذاعي أحمد كامل البوهي حديثه قائلاً: وُلد والدي الدكتور كامل البوهي بقرية جريس، مركز أشمون بمحافظة المنوفية، في 28 ديسمبر 1924م. نشأ في بيئة ريفية محافظة، حيث كان والده، الشيخ عبد المجيد البوهي، حافظًا للقرآن الكريم، وحرص على تعليم أبنائه حفظ القرآن الكريم وتدبُّر معانيه منذ الصغر. وقد أثَّر هذا النشوء في شخصية والدي، حيث كان يتردد على الكتاتيب، ويتلقى العلم على أيدي شيوخ القرية، مما عزَّز حبه للاستطلاع والفهم العميق لآيات القرآن الكريم.
وأضاف البوهي الابن: كان والدي مغرمًا بتفسير آيات القرآن، وكان دائم التساؤل حول المعاني والدلالات، وهو ما انعكس في برامجه الإذاعية التي قدَّمها لاحقًا، والتي حملت طابع التفسير والتوعية الدينية. لقد شكلت القرية والكتاب، إلى جانب التربية الدينية الصارمة لوالده، شخصية والدي الدينية والإنسانية. ولم يكن حفظه للقرآن الكريم مجرد ترديد للآيات، بل كان بوابة لفهم أعمق للأخلاق والدين، وهو ما أهَّله للعمل في إدارة الشؤون الدينية بالإذاعة المصرية.
أسرة قرآنية متماسكة بجذور الريف وتأثيراته الدينية
وعن حياته التعليمية والعملية، أشار نجل الدكتور كامل البوهي إلى أن والده، رغم انتقاله إلى القاهرة للدراسة الجامعية، لم يتخلَّ عن قيم الريف وعاداته. الوالد ظل وفيّا لعادات القرية وتقاليدها، حتى بعدما انتقل إلى القاهرة لدراسة اللغة العربية بجامعة القاهرة. وعندما تزوج من زميلته في نفس القسم، نقل إليها وإلى أبنائه قيم الأسرة المتماسكة التي نشأ عليها.
إيمان راسخ بأن اللغة مفتاح فهم القرآن
ويتابع نجل الدكتور كامل البوهي حديثه قائلاً: الوالد كان عاشقًا للغة العربية، وكان يُكثر من تعليمنا قواعد النحو والصرف، إيمانًا منه بأن إتقان اللغة هو مفتاح فهم القرآن الكريم. حتى بيتنا في القاهرة كان يشبه بيوت القرية، حيث تجمع العائلة ومظاهر التربية الريفية.
تجربة ثقافية بيوغوسلافيا تركت بصمة عالمية
وعن تجربته في الخارج، قال البوهي الابن: خلال بعثته إلى يوغوسلافيا، أسهم والدي في تأليف القاموس اليوغوسلافي العربي بالتعاون مع الباحث حسن قلشي، وهو القاموس الوحيد آنذاك.. وترجم أيضًا عددًا من المؤلفات، وفاز بجائزة طه حسين في الأدب. ومن فرط محبته للغة العربية وأخلاقه الحميدة، أحبَّه الطلبة اليوغوسلافيون، وتعلموا اللغة العربية على يديه، بل إن بعضهم أشهر إسلامه تأثُّرًا به.
بداية المشوار الإذاعي.. من التدريس إلى ميكروفون الإذاعة
ويواصل قائلاً: عند عودته إلى مصر، فوجئ بالموافقة على فكرته بإنشاء إذاعة القرآن الكريم، والتي كان قد طرحها قبل سفره على الدكتور عبد القادر حاتم فهمي. ومن هنا، أصبح الدكتور كامل البوهي مؤسس أول إذاعة متخصصة في القرآن الكريم في العالم العربي.
ما تركه الدكتور البوهي من أثر إذاعي ودعوي.. إرث خالد
من أشهر برامجه الإذاعية "يا أمة القرآن"، و"في روضة الرسول"، و"الموسوعة القرآنية"، و"الدين المعاملة"، والتي ركزت جميعها على شرح معاني القرآن الكريم وتبسيط مفاهيمه. وأوضح نجله أن هذه البرامج كانت انعكاسًا لما تعلمه والده في الكتاب، من أن الدين ليس مجرد عبادات وحفظ آيات، بل منهج حياة يتجلى في السلوك والتعاملات اليومية.
إنجازات متعددة.. مؤسسات وجمعيات دعوية رائدة
وأضاف نجل الدكتور كامل البوهي: شغل والدي مناصب عديدة، منها رئاسة الاتحاد الإقليمي للجمعيات الخاصة، كما أسس جمعيتي (كل مسلم) و(النادي القومي للثقافة العربية) وتولى رئاستهما.
حوار تاريخي مع السادات.. محطة مميزة في حياته المهنية
واختتم حديثه قائلاً: كان والدي أول من أجرى حوارًا إذاعيًا مع الرئيس أنور السادات لصالح إذاعة القرآن الكريم في أواخر السبعينيات. واستمر في عمله الدعوي والإذاعي حتى رحيله في أبريل 1985، تاركًا إرثًا دينيًا وإعلاميًا خالدًا.
في ذكراه المئوية.. نجل الدكتور كامل البوهي: القرية والكتاب شكَّلا شخصية مؤسس إذاعة القرآن الكريم