د. عبدالحميد مدكور: لغتنا العربية لن تضيع ما دمنا نحسن استخدامها في العالم الرقمي
الأمين العام لمجمع اللغة العربية: الذكاء الاصطناعي أداة محايدة بأيدينا توجيهها
كتبت - فتحية حماد
إن الاهتمام باللغة العربية وقضاياها وما يحدث في شأنها في ظل عالم متطور ومتجدد لأمر بالغ في الأهمية وذلك للحفاظ على هويتنا وثقافتنا من التحديات التي تواجهنا.
وفي هذا الإطار كان لنا هذا اللقاء مع العالم اللغوي الأستاذ الدكتور عبدالحميد مدكور الأمين العام لمجمع اللغة العربية واتحاد المجامع اللغوية العلمية.
في البداية قال الدكتور عبدالحميد مدكور: إن التقنيات الحديثة تقدم للناس كل ما هو جديد بما يمكن لهم أن ينتفعوا به أو يسخروه فيما لا يؤدي إلى النفع، فالذكاء الاصطناعي مارد جبار فيه إمكانيات كبيرة جداً يتوقف الأمر على طريقة استعمالها. فإذا استعملت في أمر جيد نافع فإن ذلك سيؤدي إلى منافع كبيرة تفوق قدرة الإنسان من حيث السرعة والاستيعاب وقلة الوقت التي تؤدي إلى فيها هذه المنافع وتفوق قدرة الإنسان في التتبع والاستقراء والاستقصاء.
واستكمل الأمين العام قائلاً: الذكاء الاصطناعي محايد ليس شرا مطلقاً أو خيراً مطلقاً لكنه يجمع خصائص كبيرة يتصرف الإنسان في كيفية التعامل معها، فإذا تعامل مع النواحي الإيجابية منها سيكتسب خيراً كثيراً والعكس صحيح، فعلى سبيل المثال إذا ذهبنا إلى كيفية تعلم اللغة العربية فإننا يمكن أن نستخدم ما فيه من إمكانات هائلة في النهوض باللغة العربية من حيث التدريس ونشر نصوص اللغة وتحقيق المخطوطات والتعريب. الأمر يتوقف على ما نقدمه نحن للذكاء الاصطناعي من معلومات صحيحة، محكمة، متقنة، شاملة، جامعة لكل معاني الكلمة.
كما أننا إذا صنعنا تطبيقا لتدريس اللغة العربية فيجب مراعاة تحديد مستوى المعلم وتقديم المعلومات المتعلقة بكل جوانب العملية التعليمية من حيث شرح القواعد، تقديم أمثلة، تقديم أسئلة وتقديم إجابات شاملة لكل ما يخطر ببال المستمع لهذا البرنامج. فيتصور واضع البرنامج كل الاحتمالات والمستويات العقلية لمستمعي البرنامج فتقدم بلغة صحيحة، سهلة، متيسرة لا تكون معقدة حتى لا يمل المستمع إذا استخدمت كلمات قاموسية، أو معجمية فيصبح في النهاية تعبيراً عربياً فصيحاً بلغة بسيطة شاملة جامعة بمعلومات وافية باحتمالات عقلية بأسئلة وتدريبات للجهاز على الاستماع حتى يستطيع الرد على كل هذه الأسئلة.
بين العلماء والتقنيين: شراكة لا غنى عنها
واستطرد الدكتور مدكور قائلاً: لابد أن يقوم بهذا الأمر طرفان، الأول يتعلق بالعلماء المتخصصين في علم النحو واللغة والبلاغة والأدب والنصوص والشعر والنثر حتى لو كلفهم الأمر بأن يعمل في كل فرع فريق متخصص ليحول كل المعلومات إلى مجموعة من الأسئلة، فالإنسان هو الذي يدرب الجهاز ويغذيه بالمعلومات ويصاحبه.
الطرف الثاني المتمثل في علماء متخصصين في التقنية لتقديم برامج تنفيذية. وإذا أحكمت صياغة الجهاز فإنه سيكون أفضل من كثير من مدرسي اللغة العربية الذين يدرسوا اللغة باللهجة العامية.
وأكد الدكتور مدكور أنه لا يجب أن يقتصر البرنامج على القواعد فقط، لابد أن يكون مصحوباً بنماذج شعرية وأدبية رصينة عالية القيمة تشرح صدر المستمع إليها حتى لا تنحصر علاقته بالجهاز في الاستماع للقواعد فقط حتى لا يشعر بالملل والتعقيد. فلابد من تذوق الشعر وتذوق الأدب.
التغذية السليمة للمعلومات مفتاح النجاح
إذن الذكاء الاصطناعي قائم على التغذية بالمعلومات الوفيرة الكافية في كافة المجالات ليس اللغة العربية فقط وإنما في كافة العلوم والفتاوى. فإذا تم تغذيته بمعلومات ناقصة سيخرج معلومات ناقصة، وإذا ادخلنا معلومات خاطئة سيخرج معلومات خاطئة. كما في المسألة الحسابية إذا أدخلنا 2+2=5 فإن كل مرة تطلب من الجهاز حل هذه المسألة يخرج لنا الناتج 5 فالأمر متوقف على من يستثمر ومن يحول هذه الأجهزة الحديثة إلى منافع حقيقية ويقدمه للناس.
الحفاظ على الهوية اللغوية في ظل التكنولوجيا
وعندما يصدر المجمع معجما أو المؤسسة العلمية يأتي بمعنى الكلمات الحقيقية في التعليم وكذلك التعريب والفتاوى وكل ما يدخل في نطاق معارفنا ويجب أن يتضافر العلماء المتخصصون في اللغة والأدب وكذلك المتخصصون في التقنيات الحديثة ولا يتأخروا لأن العالم في تقدم مستمر والدول الأجنبية وضعت برامج متعددة لتعلم اللغة الإنجليزية شاملة تساعد الآخرين على تعلمها بسهولة ويسر فيجب علينا التعاون لمساعدة لغتنا كما يفعل الغرب للغاتهم.
وأوضح الأمين العام لمجمع اللغة العربية أنه لا خوف على هويتنا من الذكاء الاصطناعي فالأجهزة لا تصنع هويات ولا تحاربها إلا إذا تدخل الإنسان ومدها بالمعلومات. فإذا قلنا أن اللغة العربية فصيحة ولها تاريخ مجيد فستخرج لنا المعلومات هكذا. أما إذا غذينا هذه الأجهزة بمعلومات تقول أن اللغة العربية عاجزة وليس لها قيمة ستخرج المعلومات عنها هكذا.
لذلك، يجب أن نفعل كل شيء للحفاظ على هويتنا العربية. فنحن المسؤولون عن الحفاظ عليها بالاستعمال الإيجابي لكل المستحدثات، وبأيدينا نجعله مفيداً وبأيدينا نجعله ضاراً.
د. عبدالحميد مدكور: لغتنا العربية لن تضيع ما دمنا نحسن استخدامها في العالم الرقمي