هل يتحول الخطأ الطبي إلى جريمة؟ قراءة في المسئولية الطبية بمصر
بقلم: د. بيتر ناجي
* عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع وزميل جمعية الضرائب
المسئولية الطبية هي العمود الفقري للعلاقة بين الطبيب والمريض. مع زيادة وعي المجتمع المصري بالحقوق الصحية، أصبحت الأخطاء الطبية قضية حساسة تتطلب حلولاً متوازنة تراعي حقوق المرضى دون الإضرار بالأطباء، الذين يشكلون أساس المنظومة الصحية.
إطار المسئولية الطبية في القانون المصري
المسئولية الطبية تعني التزام الأطباء بتقديم الرعاية الصحية وفق المعايير المهنية. في حال وقوع خطأ طبي، تتحدد المساءلة وفقًا لنوع الخطأ ونتائجه.
القانون المصري يفرق بين:
• الخطأ المهني البسيط: الذي لا يُرتب سوى التزامات مدنية.
• الخطأ الجسيم: الناتج عن إهمال أو انتهاك صارخ للقواعد المهنية، والذي قد يؤدي إلى مساءلة جنائية.
حبس الأطباء: تهديد يطال المنظومة الصحية
العقوبات الجنائية المفروضة على الأخطاء الطبية لها تداعيات خطيرة على القطاع الصحي:
• هجرة الكفاءات: يخشى الأطباء المتميزون التعرض للمساءلة الجنائية، مما يدفعهم للعمل بالخارج.
• التردد في اتخاذ القرارات الحرجة: خوف الأطباء من العقاب قد يؤدي إلى تأخير علاج الحالات الطارئة.
• اهتزاز الثقة: حبس الأطباء يضعف العلاقة بين الطبيب والمريض، ويؤثر سلبًا على الثقة في المنظومة الصحية.
الخطأ الطبي: كيف نتعامل معه؟
الأخطاء الطبية غالبًا ما تنتج عن ظروف معقدة تشمل نقص التدريب وضغط العمل. الحل لا يكمن في التجريم، بل في إصلاح النظام:
• لجنة مستقلة لمراجعة الأخطاء: هيئة متخصصة تراجع الأخطاء بعيدًا عن التجريم والتشهير.
• تعزيز بيئة العمل: تحسين ظروف عمل الأطباء من خلال توفير الدعم الفني والتقني.
• نظام تعويض عادل: استحداث آلية تعويض للمرضى المتضررين دون أن يُعامل الطبيب كمجرم.
خطوات ضرورية لضمان التوازن
1. إصدار قانون جديد للمسئولية الطبية يضع تعريفات ومعايير واضحة للأخطاء الطبية.
2. إلزام التأمين المهني للأطباء لحمايتهم من الدعاوى القضائية.
3. إنشاء لجان لتسوية المنازعات الطبية بسرعة وكفاءة خارج المحاكم.
4. إطلاق برامج تدريب مستمرة للأطباء لمواكبة التطورات الطبية والعلمية.
دروس من الخارج
تجربة الإمارات في هذا المجال تعد نموذجًا يحتذى به. تعتمد الدولة على لجان مستقلة لتقييم الأخطاء الطبية، مع ضمان تعويض المتضررين ودعم الأطباء، مما يخلق بيئة متوازنة بين الحقوق والواجبات.
رسالة ختامية
حماية المرضى وضمان حقوقهم أمر لا جدال فيه، لكن تجريم الأخطاء الطبية دون مراعاة ظروف الأطباء قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الصحية. المطلوب هو إطار قانوني عادل ومنظومة عمل تحفز الأطباء على تقديم أفضل ما لديهم، مع الحفاظ على حقوق المرضى. هل نحن مستعدون لاتخاذ هذه الخطوة الجريئة نحو إصلاح شامل؟