"التواصل الإجتماعي" وسيلة اتصالية جامعة.. وتهديد الأمن القومي
د. محمد فؤاد الطللي
يشير مفهوم الأمن القومي إلى حماية القيادة السياسية والحكومة والبرلمان للدولة والمواطنين عبر سياسات متعددة، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو دبلوماسية أو عسكرية، وطرح أكثر من تعريف للأمن القومي، والتي كان أبرزها: تعريف دائرة معارف العلوم الاجتماعية بأن الأمن القومي يعني: قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية، وتعريف دائرة المعارف البريطانية بأن الأمن القومي يعني: حماية الاستقرار الداخلي من خطر القهر على يد قوة أجنبية باختلاف أشكالها وتنظيماتها، وفي تعريف أشمل يُنظر للأمن القومي على أنه: تأمين كيان الدولة من الأخطار التي تهددها داخلياً وخارجياً، وتأمين مصالحها وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية.
ومع الانتشار الكبير الذي حظيت به شبكات التواصل الإجتماعي باعتبارها وسيلة اتصالية جامعة أزالت الكثير من القيود والحدود الزمانية والمكانية، تغيرت النظرة إلى تلك الشبكات خاصة بعد الدور الذي قامت به في ثورات الربيع العربي؛ ليُنظر لها على أنها من إحدى الوسائل التي من الممكن أن تهدد الأمن القومي للشعوب والدول؛ نظراً لعدم إمكانية السيطرة عليها بالشكل الأمثل، مما يفتح الباب أمام الأعداء من الداخل والخارج لاستغلالها لتحقيق مصالحهم وأهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها، وهو الأمر الذي تعاظم مع دخول شبكات التواصل إلى المصالح الحكومية التي أصبحت تعرض المعلومات الخاصة بها عليها، مما يعرض أنظمتها المعلوماتية إلى الاختراق والقرصنة، بالإضافة إلى استخدام بعض المخترقين الشبكات الإجتماعية في القرصنة على صفحات أشخاص بعينهم أو استخدام الصور والفيديوهات المتحيزة لوجهة نظر معينة لشحن الرأي العام، وهو المحتوى الذي قد يتم تركيبه أو اختلاقه أو إعادة استخدامه بشكل يؤثر في تحريك الأحداث من خلال تهييج الرأي العام دون دليل يذكر، كما تستخدم الشبكات الاجتماعية في شن الحروب النفسية والتي منها نشر الشائعات التي قد تضر بمصالح قومية، وقد تستخدمها بعض الجهات الخارجية المعادية للتأثير على الاستقرار الداخلي، وتبقى مجهولية المصدر الحقيقي خلف مستخدمي الشبكات الاجتماعية دافعاً أحياناً إلى استخدامها في الابتزاز وانتحال الشخصية ونشر المعلومات المضللة وتشويه السمعة أو في الجريمة كالدعارة أو السرقة أو الاختطاف أو الترويج لأفكار تستهدف تقويض سلطة الدولة وسيادتها وحقها المشروع في استخدام نفوذها، أو بالترويج إلى أفكار هدامة داخل المجتمع، أو استخدامها في السب والقذف بين الأفراد، إلى جانب تأثيرها النفسي السلبي كإدمان الدخول، أو بتأثيرها على العلاقات الزوجية وعلى الأسرة و إهدار الموارد البشرية والوقت .
وتمثل تلك المظاهر وغيرها خروجا عن الاستخدام السليم للشبكات الاجتماعية وهو ما ينقلها من كونها أداة مهمة وقناة للتعبير عن الرأي إلى أداة للتخريب وتهديد السلم الاجتماعي والأمن القومي وخاصة مع تعدي حدود استخدامها إلى الخارج، وهو ما يصطدم مع النظام العام الذي يستهدف حماية الدولة والمجتمع والأفراد من خلال قواعد أخلاقية وقانونية وسياسية أو اجتماعية تمثل في جوهرها مفهوم الأمن القومي كما أشرنا.
وتعتبر طريقة التعامل مع حرية الرأي والتعبير خاصة خلال شبكات التواصل الاجتماعي مؤشرا لدرجة الديمقراطية والحرية في المجتمع، وتظهر هنا إشكالية كبيرة تتمثل في التوازن بين حرية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة للتعبير عن الرأي بكل حرية، ووجود ضوابط تعمل على الحفاظ على الأمن القومي للدولة، ويحتم ذلك الأمر ضرورة وجود دور للدولة المتمثل في العمل على مواجهة الأسباب الدافعة إلى لجوء المستخدمين للاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر، وهي الأمور التي تمثل تربة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة داخل المجتمع، مع العمل على إيجاد آلية للحوار الفعال لمواجهة الشائعات التي من شأنها الإضرار بمصلحة الوطن.
والمتأمل في شبكات التواصل الاجتماعي لا يمكن إنكار أهمية الدور الذي تقوم به في المجتمعات، خاصة وأنها أصبحت جزءا أساسياً من أسلوب حياة المستخدمين على مستوى العالم، إلا أنها كغيرها من الوسائل لها جوانبها السلبية التي يجب العمل على مواجهتها وتنظيمها بالشكل الذي يضمن الحفاظ على الأمن القومي للدولة، وذلك في إطار الحفاظ على حرية الرأي والتعبير وتطبيق الديمقراطية الحقيقية. مع الوضع في الاعتبار أن حرية الرأي والتعبير بشكل عام يحتاج إلى تنظيم استخدامها للحيلولة دون إلحاق الضرر النفسي والمادي بالأفراد أو مؤسسات الدولة، وهو ما لجأت إليه أكبر الديمقراطيات في العالم، حيث أقدمت بريطانيا والولايات المتحدة إلى فرض قيود على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بعد دورها في دعم الاحتجاجات والشغب لديها في الفترة الأخيرة، حيث أثر الاستخدام السلبي لتلك الشبكات على أمنهما القومي واستقرارهما.