recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

كيف يحقق قانون المسؤولية الطبية التوازن بين مطالب الأطباء وحقوق المرضى؟

 


 كيف يحقق قانون المسؤولية الطبية التوازن بين مطالب الأطباء وحقوق المرضى؟


بقلم مستشار دكتور: بيتر ناجي

 عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع وزميل جمعية الضرائب المصرية 


وافقت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، برئاسة الدكتور أشرف حاتم، على عدد من التعديلات على مشروع قانون المسؤولية الطبية استجابة لرغبة الأطقم الطبية. شملت التعديلات تغيير مسمى مشروع القانون من "المسؤولية الطبية وحماية المريض" ليصبح "المسؤولية الطبية وسلامة المريض".

كما تم تعديل نص المادة (18) لتصبح اللجنة العليا للمسؤولية الطبية هي الخبير الفني أمام جهات التحقيق أو المحاكمة في القضايا المتعلقة بالمسؤولية الطبية. كذلك، تم تعديل تعريف الخطأ الطبي الجسيم بما يميز بين الخطأ الطبي العادي والخطأ الجسيم، وحذف المادتين (27، 28) الخاصتين بفرض العقوبات على مقدمي الخدمات الصحية. أُلغيت المادة (29) المتعلقة بجواز الحبس الاحتياطي، مع استحداث نص يقضي بالغرامة في حالة الخطأ الطبي العادي، والحبس أو الغرامة في حالة الخطأ الجسيم.

إلغاء عقوبة الحبس  في الأخطاء الطبية

واحدة من أبرز النقاط التي اعتُبرت انتصارًا للأطباء هي موافقة لجنة الصحة بمجلس النواب علي تعديل نص المادة 27 من مشروع القانون و إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الأخطاء الطبية. كان عقوبة الحبس تشكل عبئًا نفسيًا ومهنيًا على الأطباء، حيث يُمكن أن يتعرض الطبيب للحبس خلال التحقيق، حتى في الحالات التي لا يكون فيها الخطأ جسيمًا. قرار إلغاء هذه العقوبة جاء بعد مناقشات مستفيضة داخل اللجنة الصحية بالبرلمان، ما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية توفير الحماية القانونية للأطباء دون الإضرار بحقوق المرضى.

إلغاء الحبس الاحتياطي يعزز الثقة بين الأطباء والنظام القانوني، ويشجعهم على أداء مهامهم الطبية بأمان ودون خوف من التعرض للإجراءات الجنائية مبالغ فيها. كما يُعطي هذا القرار رسالة واضحة بأن الخطأ الطبي العادي يجب التعامل معه كمسار مدني، بينما الأخطاء الجسيمة فقط هي التي يُمكن أن تُحال إلى المسار الجنائي.

إنشاء هيئة عليا للمسؤولية الطبية

من الإنجازات الأخرى البارزة هو النص على إنشاء هيئة عليا للمسؤولية الطبية في مشروع القانون الجديد. هذه الهيئة ستكون الجهة الفنية المختصة بالتحقيق في الشكاوى الطبية وتقديم التقارير الفنية لجهات التحقيق. وجود هيئة متخصصة يُعد خطوة نحو تحقيق العدالة في القضايا الطبية، حيث ستتولى هذه الهيئة تقييم الوقائع بموضوعية ودقة، استنادًا إلى خبراء في المجال الطبي.

الهيئة ستعمل على تقليل نسبة الشكاوى الكيدية التي تصل إلى 80-90% وفقًا للإحصائيات. كما ستُسهم في حماية الأطباء من الاتهامات غير المبررة التي قد تُعرض حياتهم المهنية للخطر. هذا النظام الجديد يُشبه ما هو معمول به في الدول المتقدمة، مثل بريطانيا، حيث يتم التحقيق في الشكاوى من خلال جهات طبية متخصصة.

تعزيز العدالة والتوازن بين الأطراف

القانون الجديد لا يهدف فقط إلى حماية الأطباء، بل يوازن بين حقوق جميع الأطراف المعنية. فمن خلال التمييز بين الخطأ الطبي العادي والخطأ الطبي الجسيم، يُتيح القانون معالجة الأخطاء الطبية البسيطة دون تحويلها إلى قضايا جنائية. في المقابل، يتم التعامل بجدية مع الأخطاء الجسيمة التي تؤدي إلى أضرار كبيرة للمرضى.

وقد طالب عدد من الأطباء على منع نشر في القضايا الطبية إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي، مما يحمي سمعة الأطباء من التشهير غير المبرر. إضافة إلى ذلك، طالبوا بأن يتم إلغاء العقوبات المالية الكبيرة واستبدالها بنظام التعويض المناسب للمرضى المتضررين، مما يخفف من الضغوط المالية على الأطباء.

إنشاء محاكم طبية متخصصة

أحد المقترحات المهمة التي طالب بها نقيب الأطباء والعديد من المتخصصين هو إنشاء محاكم طبية متخصصة. هذه المحاكم ستضمن أن القضايا الطبية يتم النظر فيها من قِبل قضاة وخبراء لديهم فهم عميق للطبيعة المعقدة للعمل الطبي. وجود مثل هذه المحاكم يُعزز من ثقة الأطباء بالنظام القانوني ويضمن اتخاذ قرارات عادلة تستند إلى المعرفة العلمية.

خطوة نحو تطوير المنظومة الصحية

التعديلات التي تم إقرارها في قانون المسؤولية الطبية ليست مجرد انتصار للأطباء، بل هي خطوة نحو تطوير المنظومة الصحية ككل. عندما يشعر الأطباء بالأمان والثقة في النظام القانوني، يصبحون أكثر قدرة على التركيز على تقديم رعاية صحية عالية الجودة. في الوقت نفسه، يحصل المرضى على ضمانات حقيقية للحصول على حقوقهم دون المساس بالأطباء الذين يبذلون جهودًا كبيرة لخدمتهم.

القانون الجديد يُعد بداية عهد جديد في العلاقة بين الأطباء والمرضى، حيث يُمكن للطرفين العمل معًا في بيئة تُشجع على الثقة المتبادلة والعدالة. هذا الإنجاز يُثبت أن الحوار البناء والمناقشات المستنيرة يمكن أن تؤدي إلى إصلاحات تشريعية تخدم المجتمع بأسره.


google-playkhamsatmostaqltradent