خميس العهد.. يوم العشاء الأخير وغسل الأرجل
كتب - مصطفى الكومي
احتفل الأقباط بخميس العهد، أحد الأيام المقدسة التي تحتل مكانة متميزة في أسبوع الآلام، ويتوسط هذا اليوم ثلاث مناسبات رئيسية في التقويم المسيحي هي أحد الشعانين وخميس العهد وعيد القيامة، ويُعد من الأعياد السيدية الصغرى ذات الدلالات الروحية العميقة، حيث شهد أحداثاً فاصلة في مسيرة السيد المسيح مع تلاميذه.
في هذا اليوم، قام السيد المسيح بتأسيس سر التناول، وهو أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيسة، حيث قدّم لتلاميذه الخبز والخمر قائلاً إنهما جسده ودمه، في تعبير رمزي عن الفداء والمحبة الإلهية. وقد جاء في إنجيل يوحنا أن المسيح قال لتلاميذه: "أنا هو خبز الحياة"، موضحًا أن من يأكل جسده ويشرب دمه فله الحياة الأبدية.
كما شهد خميس العهد قيام المسيح بغسل أرجل تلاميذه في مشهد يجسد قمة التواضع والخدمة، حيث صبّ ماء في مغسل وبدأ يغسل أرجلهم ويمسحها بالمنشفة التي كان متّزرًا بها، في رسالة خالدة عن أهمية المحبة والخدمة المتبادلة.
في الليلة ذاتها، أعلن السيد المسيح عن خيانة أحد تلاميذه، قائلاً "واحد منكم سيسلمني"، في إشارة إلى يهوذا الذي غادر لاحقًا ليسلم سيده مقابل ثلاثين من الفضة. ومع اقتراب منتصف الليل، خرج المسيح مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، حيث جاء يهوذا ومعه الجند، وقام بتسليمه بقبلة كانت علامة متفق عليها مع الجنود، ليبدأ مشهد المحاكمة والآلام.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بخميس العهد بطقس فريد يبدأ بالصلاة في الهيكل، وتعد هذه أول صلاة تُقام في الهيكل بعد أحد الشعانين. تُتلى خلال اليوم صلوات الساعات السادسة والثالثة والتاسعة، ويتخلل اليوم طقس اللقان، وهو طقس خاص يُقام ثلاث مرات فقط في السنة، في عيد الغطاس وخميس العهد وعيد الرسل.
بعد طقس اللقان، يقوم الكاهن بغسل أرجل الرجال "برشمها بالمياه"، بينما تُرشم السيدات على الجبهة، كرمز للتطهير والتقديس، ثم يُختتم اليوم بإقامة القداس الإلهي، حيث يتناول المؤمنون سر الإفخارستيا. ويستمر الطقس من السابعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، في أجواء مهيبة يملؤها الخشوع والتأمل في محبة المسيح وبذله.
خميس العهد ليس مجرد ذكرى للعشاء الأخير، بل هو دعوة سنوية لتجديد العلاقة مع الله، وتأمل معاني المحبة والتواضع والخدمة، كما جسّدها السيد المسيح في آخر لحظاته مع تلاميذه.