recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

قمر الليالي" التي أغضبت النقابة.. الطبيب المسيء والتمريض الذي لا يُمس

الحجم

 

قمر الليالي" التي أغضبت النقابة.. الطبيب المسيء والتمريض الذي لا يُمس

قمر الليالي" التي أغضبت النقابة.. الطبيب المسيء والتمريض الذي لا يُمس



في مشهد لم يكن ليحدث لولا اختلال ميزان الكلمة واحترام المهنة، تصدرت أزمة جديدة واجهة الساحة الطبية المصرية بعد أن فجّر أحد الأطباء جدلًا واسعًا بتصريحات وُصفت بالمسيئة لمهنة التمريض، واعتُبرت خروجًا عن الأخلاقيات المهنية التي يفترض أن تُحكم العلاقات داخل غرف العمليات لا أن تُدنسها.


التصريحات التي أطلقها الدكتور الجوهري محمد الجوهري، استشاري جراحة المخ والأعصاب، عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، لم تمر مرور الكرام، بعدما صوّر التمريض النسائي كجزء من "جمالية المكان"، لا عنصرا فاعلا في فريق طبي يخوض معركة يومية ضد الألم والمرض والموت. قال الطبيب في منشوره إن "البصة في وش الحكيمة بتشفي العليل"، واصفًا الممرضات بألفاظ أقرب للغزل منها إلى التقدير المهني، وأضاف أنه كان يفضل دائمًا "حكيمة العمليات" أن تكون سيدة، بينما بدا في استهجانه لوجود عناصر تمريضية من الرجال، ساخرًا من أدائهم ومظهرهم، ومتسائلًا كيف يمكنه مناداتهم بالألقاب التي كان يستخدمها مع زميلاته من التمريض.


لم تمض ساعات حتى أعلنت النقابة العامة للأطباء موقفها الحاسم، معتبرة أن ما ورد على لسان الطبيب لا يمت بأي صلة لأخلاقيات المهنة ولا للمسؤولية التي ينبغي أن يتحلى بها كل طبيب تجاه زملائه من أفراد الفريق الطبي. وقالت النقابة إنها تابعت ما نشر بـ"أسف شديد"، وقررت إحالة الطبيب للجنة آداب المهنة للتحقيق فيما صدر عنه من إساءات وعبارات تتنافى مع القيم الطبية الراسخة.


النقابة أكدت في بيانها أن مهنة التمريض، بجميع أفرادها، رجالًا ونساءً، هي ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في تقديم الرعاية الصحية، وأن الاحترام المتبادل بين أفراد الطاقم الطبي هو قاعدة لا تُمس، وأي انتقاص منها هو إخلال صريح بشرف المهنة.


المثير في الأمر أن منشور الطبيب لم يثر فقط غضب النقابة، بل أشعل نقاشًا بين الأطباء أنفسهم على مواقع التواصل. بعضهم اعتبره "بوست غير موفق"، بينما ذهب آخرون، مثل الدكتور عبد الوارث كسبه، إلى تأكيد تجربتهم الإيجابية مع شباب التمريض من الذكور، مشيدين بكفاءتهم وقدرتهم على العمل تحت الضغط، بل وتفوقهم في بعض الأحيان.


في المقابل، أعاد البعض النقاش إلى جوهر القضية، بعيدًا عن النوع الاجتماعي، معتبرين أن الكفاءة والضمير هما الفيصل الحقيقي في تقييم أداء أي عنصر تمريضي، رجلًا كان أو امرأة. فالاتقان في العمل، والالتزام بقواعد التعقيم، والقدرة على اقتراح حلول لحالات حرجة، كلها صفات لا تحتكرها فئة على أخرى.


الواقعة أعادت للسطح قضية غاية في الأهمية، وهي الصورة النمطية التي يُنظر بها أحيانًا إلى مهنة التمريض، خصوصًا النساء فيها. ورغم التقدم الكبير الذي أحرزته المهنة في العقود الأخيرة، من حيث التأهيل العلمي والاحترافية، إلا أن بعض العقليات ما زالت أسيرة مفاهيم تقليدية، تربط بين الشكل والأداء، وتختزل القيمة الإنسانية في المظهر أو الجندر.


الموقف الحازم من نقابة الأطباء، وإن جاء كرد فعل ضروري، إلا أنه يفتح المجال لتساؤلات أعمق: إلى أي مدى ما زال بعض المنتسبين إلى الحقل الطبي بحاجة إلى تدريب أخلاقي، لا علمي فقط؟ ومتى تدرك فئة من الأطباء أن فريق التمريض لا يقل شأنًا، بل قد يتفوق أداءً في بعض اللحظات المصيرية؟


التمريض ليس ديكورًا في غرفة العمليات، ولا واجهة أنثوية لجراحين تعبوا من شقاء المشرط، بل هو الجبهة المتقدمة في كل مستشفى، يقيّم أداءه بميزان واحد: العلم والانضباط والرحمة. أما تحويله إلى مادة للسخرية أو الغزل الرخيص، فذلك ما لا يغتفر.


القضية في يد النقابة الآن، ولكن صداها في ضمائر الناس، في ثقة المرضى، وفي كرامة كل من يرتدي زي التمريض.. رجلًا كان أم امرأة.

google-playkhamsatmostaqltradent